حرب الجواسيس بين أمريكا والصين إلى أين؟

حرب الجواسيس بين أمريكا والصين إلى أين؟

 

باتت الحرب غير المعلنة بين الولايات المتحدة والصين، أقرب لنمط الحرب الباردة السابقة التي خاضتها واشنطن من قبل ولكن مع الاتحاد السوفيتي السابق، بصورة مختلفة تناسب التطور الفارق بين زمني الصراع واختلاف موازين القوى في العلاقات السياسية والاقتصادية بين القطبين الأمريكي والصيني هذه المرة.

 

وبحسب صحيفة “نيويورك تايمز”، “كما كانت حرب الجواسيس بين الاتحاد السوفيتي وأمريكا جزءاً لا يتجزأ من تراث الحرب الباردة السابقة، يبدو أننا الآن نواجه هذا الجزء مرة أخرى لكن بصورة مختلفة”.

 

وأضافت الصحيفة أن مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي، قضى قرابة عامين في مراقبة أحد الأساتذة الجامعيين الصينيين مراقبة دقيقة في كل ما يخص تفاصيل حياته اليومية، تتبعوه في رحلته اليومية إلى العمل ومتجر البقالة ونزهاته مع أصدقائه وأخضعوا أفراد أسرته لنفس المراقبة، وأخبروا الجامعة الأمريكية العريقة التي كان يشغل بها منصباً ثابتاً أنه عميل صيني مما دفع الجامعة للتعاون معهم ثم طرده بعد ذلك.

 

لكن مكتب التحقيقات الفيدرالي لم يتمكن من العثور على دليل يثبت تورطه في أي شيء، ورغم ذلك وجه المدعون الفيدراليون اتهامات للرجل بإخفاء علاقاته مع جامعة في بكين والاحتيال على الحكومة الأمريكية في ما يتعلق بأموال الأبحاث التي تلقاها من وكالة ناسا، وقالت الصحيفة، إن المحاكمة انتهت بتعليق القضية، ووصف أحد المحلفين القضية بأنها سخيفة.

 

وفى سبتمبر الماضي اتخذ قاضٍ أمريكي خطوة جادة بتبرئة العالم الصيني من جميع التهم التي نسبت إليه، وقال العالم الصيني بعدها في أول حوار له حول القضية: “قد كان أحلك وقت مر بحياتي”.

 

وللجامعات الأمريكية تاريخ من التعامل مع أفضل المواهب العلمية من جميع أنحاء العالم وخاصة الصين، لكن المسؤولين في الحكومة الأمريكية أصبحوا متشككين بشكل متزايد من كون العلماء الموجودين على الأراضي والجامعات الأمريكية يعملون على استغلال انفتاح المؤسسات الأمريكية العلمية لسرقة الأبحاث الحساسة الممولة من نقود دافعي الضرائب بطلب من الحكومة الصينية.

 

هذا السلوك الأمريكي المتكرر خلال الفترة الأخيرة كان له تأثير مخيف في الجامعات الأمريكية المختلفة وأبطأ من تدفق المواهب إلى الولايات المتحدة وساهم في تدفقها إلى الصين.

 

وقالت الصحيفة، إنه في عدد من المقابلات مع علماء من أصل صيني يعملون في جامعات أمريكية ظهرت صور مخيفة، بعضهم تعرض للإذلال من خلال التدريب الإلزامي على مكافحة التجنيد وهو التدريب الذي لم يتضمن سوى علماء صينيين، بالإضافة للتأخيرات غير المبررة لتجديد التأشيرات، بالإضافة إلى التسويف الذي تعرضت له محاكمة دكتور هو الذي عمل في جامعة تينيسى في نوكسفيل كمثال واضح على التجاوزات الحكومية ووضعه رهن الإقامة الجبرية لمدة 18 شهراً أثناء التحقيق وبقائه بدون دخل طوال تلك المدة، واعتماده على التبرعات لسداد رسوم المحامي للدفاع عنه وقيام جيرانه وأصدقائه بمساعدته بالمواد الغذائية وسداد الفواتير المختلفة.

 

وعرضت الجامعة على العالم الصيني إعادته مرة أخرى لعمله ووظيفته لكن “الدكتور هو” الذي يحمل الجنسية الكندية، قال إن وضعه هو وغيره من المهاجرين لا يزال صعبا وغير محفز على البقاء، “لقد تم تدمير حقوق الإنسان الأساسية ودمرت سمعتي وأصيب قلبي بجرح عميق وتعرضت عائلتي لأذى شديد وهذا في مجمله ليس عدلا”.

 

وفي دراسة حديثة أجرتها جامعة أريزونا ولجنة 100 وهي منظمة للأمريكيين الصينيين البارزين استطلعت آراء علماء من أصل صيني وغير صيني ممن يعملون في المؤسسات الحكومية الأمريكية، حول قضايا العرق في العلوم والبحوث وتأثيرها، قال ما يقرب من نصف العلماء الصينيين المشاركين ومنهم مواطنون أمريكيون، إنهم شعروا أنهم يخضعون للمراقبة من قبل الحكومة الأمريكية، وألقى البعض باللوم على برنامج لإنفاذ القانون يسمى “مبادرة الصين” والتي بدأت خلال إدارة ترامب واستمرت في عهد جو بايدن.

 

ويهدف البرنامج إلى منع سرقة الحكومة الصينية لأسرار التجارة الأمريكية وأعمال التجسس الأخرى، لكن العلماء وجماعات الحقوق المدنية والمشرعين تساءلوا عمّا إذا كان الأمر قد تجاوز الحد المسموح في استهداف الأكاديميين، خاصة أن معظم الأبحاث التي أجريت في الجامعات غير مصنفة وتم نشرها في النهاية علناً.

 

ووقع ما يقرب من ألفي أكاديمي في مؤسسات من بينها جامعة ستانفورد وجامعة كاليفورنيا وبيركلي وبرينستون رسائل مفتوحة إلى المدعى العام ميريك جاران للتعبير عن مخاوفهم حيال الممارسات الأمنية التي تستهدف الباحثين من أصل صيني بشكل غير مناسب، وقال ستيفن شو، أحد الموقعين والحائز على نوبل في جامعة ستانفورد ووزير سابق للطاقة في الولايات المتحدة، “الكثير من قوتنا التكنولوجية والفكرية يأتي من المهاجرين، نحن نطلق النار على أنفسنا، لا في القدم بل بالقرب من الرأس”.

 

ويكمن وراء الأزمة الحالية لمراقبة الأكاديميين مشكلة تعود لسنوات، فعلى مدار العقدين الماضيين ومع ركود التمويل الفيدرالي للبحث العلمي في الجامعات سعى العلماء إلى مصادر بديلة للتمويل وعززت الجامعات الأمريكية التعاون مع الدول الأخرى بما في ذلك الصين واستفاد الباحثون من الفرص المتزايدة في الصين، بما في ذلك برامج توظيف المواهب والعقود الاستشارية والألقاب والمنح الفخرية.

 

وتقول “نيويورك تايمز”، إنه كان للحكومة الصينية بالفعل سجل في سرقة أو نقل الملكية الفكرية من الشركات الأمريكية، ولكن مع سياسة ترامب للتدقيق في التجسس واستفادة الصين من الأبحاث، تم التضييق على الصين كثيراً في الحصول على أهدافها.

 

وفي الوقت الحالي، ومع تصاعد حالات الملاحقة والتحقيق مع الأكاديميين تزايدت المخاوف والقلق من الاتهامات التي باتت جاهزة، يقول أستاذ الهندسة الميكانيكية والفضائية في جامعه برينستون والمواطن الأمريكي المتجنس، بيجوانج جو: “كان شرفاً لي في عام 2010 عندما طلبت ناسا مني المساعدة في تطوير خطة لمستقبل الصواريخ الأمريكية، لكن إذا تلقيت الدعوة اليوم فسأرفض بلا شك بعد الأحداث الأخيرة، وهذا ليس لأنني لا أريد الخدمة ولكن لأنني خائف من الخدمة وتبعاتها”.

 

يأتي كل هذا الخوف الأمريكي، في الوقت الذي بدأت فيه الصين تشهد حالة من الهجرة العكسية للأدمغة على مدى العقد الماضي، حيث تم إغراء العديد من العلماء الصينيين بالعودة للبلاد من خلال الوعد بتمويل وافر وألقاب علمية وإشادة مجتمعية، وهو ما خلق بيئة مواتية للعودة لدى البعض خاصة مع البيئة المعادية في الولايات المتحدة.

 

واختتمت “نيويورك تايمز” تقريرها بالقول، إن الحرب الخفية المتمثلة في التضييق على العلماء والأكاديميين القادمين من الصين في المرحلة الحالية بالولايات المتحدة وحالة الهجرة العكسية لهم للصين من جديد، تفتح الباب للحديث عن الحرب الباردة وفاصل آخر من الصراع بين القطبين الجديدين، لا يعلم أحد كيف يتغير في القريب العاجل.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية